الانتخابات التونسية.. لمن ستقرع الأجراس في قصر قرطاج؟

الإثنين 22 سبتمبر-أيلول 2014 الساعة 06 مساءً / مأرب برس - متابعات
عدد القراءات 2318

 

حمي وطيس السباق في انتخابات الرئاسة التونسية مبكرا بعد أن بات الباب مفتوحا على مصراعيه أمام عشرات المرشحين، وتهافت المرشحون على جمع التزكيات من الناخبين ونواب المجلس التأسيسي في عملية يصفها بعض المراقبين بـ"الاستعراضية".

رغم أهمية الانتخابات التشريعية التي تجري في 26 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، أي حوالي شهر قبل الانتخابات الرئاسية، ورغم أن سلطات البرلمان والحكومة التي ستنبثق عنه ستكون أوسع من سلطات الرئيس وفق الدستور الجديد، إلا أن الاهتمام في تونس وخارجها بالانتخابات الرئاسية طغى على المشهد.

وبات السباق، الذي كان فيما مضى يُحسم سلفاً قبل الذهاب إلى صناديق الاقتراع، مفتوحاً اليوم على مصراعيه أمام العشرات من المرشحين الحالمين بالجائزة الكبرى. وحمي الوطيس مبكراً في تونس قبل شهرين من التصويت على اختيار أول رئيس للبلاد في انتخابات ديمقراطية وتعددية فعلية.

ومع انطلاق عمليات إيداع ملفات الترشح لدى الهيئة العليا للانتخابات بدا كأن السباق الانتخابي إلى قصر قرطاج قد انطلق فعلياً مع تهافت المرشحين على جمع التزكيات من الناخبين ونواب المجلس التأسيسي كما ينص على ذلك القانون الانتخابي. ويضع القانون خياراً أمام المرشحين قبل تقديم ملفاتهم بين أن يجمعوا 10 آلاف تزكية مباشرة من الناخبين من عشر دوائر انتخابية على الأقل أو جمع تزكيات من 10 نواب داخل المجلس التأسيسي.

خطوة استعراضية

لكن مع ذلك، فإن أغلب المرشحين دأبوا على إرفاق ملفاتهم لدى هيئة الانتخابات بالشرطين معاً في خطوة استعراضية، إذ بات حجم التزكيات مجالاً لاستعراض العضلات بين المرشحين أمام الرأي العام. وجاء رجل الأعمال ورئيس حزب الاتحاد الوطني الحر سليم الرياحي، وهو رئيس فريق النادي الأفريقي العريق، في المركز الأول بـ 100 ألف تزكية من الناخبين، متقدماً على مرشح حزب نداء تونس الباجي قايد السبسي المرشح الأول للفوز في استطلاعات الرأي والجامع لـ 60 ألف تزكية. وجاء خلفهما نور الدين حشاد، ابن الزعيم النقابي الراحل فرحات حشاد، بـ 26 ألف تزكية، ورئيس تيار المحبة الهاشمي الحامدي بـ 25 ألف تزكية. غير أن الخبراء في تونس لا يأخذون على محمل الجد وقع هذه الأرقام على الناخبين.

وفي هذا السياق، يقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي نور الدين المباركي لوكالة الأنباء الألمانية: "هذا الاستعراض هدفه إبراز الالتفاف الشعبي والحظوظ الوافرة في الانتخابات وجدية الترشح، ومع ذلك لا بد من الإشارة إلى أن المال السياسي كان حاضراً في هذه العملية، مما يسقط عنها مصداقيتها".

وكان يمكن لعدد المرشحين الذي فاق العشرين أن يكون أعلى بكثير، غير أن الموانع القانونية والمالية التي تضمنها القانون الانتخابي حالت دون استيفاء البعض من مرشحي الأحزاب الصغيرة أو المستقلين لكامل شروط التأهل. فعلاوة على شرط التزكيات يفرض القانون على المرشحين إيداع ضمان مالي بقيمة 10 آلاف دينار لا يسترجع إلا في حال فوز المرشح بنسبة لا تقل عن 3 بالمئة من مجموع الأصوات.

 

حمى رئاسية

لكن بالمقابل، لم تحل تلك الموانع دون انتشار حمى الرئاسية لدى قطاعات أخرى خارج الوسط السياسي من مثقفين وإعلاميين وخبراء مستقلين، ما طرح تساؤلات حول مدى توفر عنصر الجدية في تلك الترشحات وما إذا كانت تبحث عن الفرقعة الإعلامية بدل المنافسة الفعلية على المنصب. ويقول المباركي للوكالة الألمانية: "المقصود بالجدية ليس القدرة على الاستجابة للضوابط القانونية للترشح للانتخابات الرئاسية، وإنما القدرة والإمكانات لتحمل مسؤولية رئاسة البلاد". ويضيف المباركي بالقول: "عدد من الترشحات لن تتجاوز إعلان نية الترشح وما يرافقها من حضور إعلامي لفترة معينة". وحتى مع تحجيم جزء كبير من صلاحيات الرئيس ضمن النظام السياسي الجديد في تونس، والقائم على المزج بين الرئاسي والبرلماني، لمصلحة رئيس الحكومة، فإن الهالة التي تحيط بالقصر الرئاسي المطل على سواحل مدينة قرطاج التاريخية لم تفقد جاذبيتها.

صندوق أسود

ولطالما كان القصر، الذي شيد في ستينات القرن الماضي، بمثابة صندوق أسود أمام التونسيين طيلة حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي لمدة 23 عاماً ومن قبله الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الذي حكم البلاد منذ الاستقلال عام 1956 وحتى الانقلاب الأبيض الذي قاده بن علي ضده في 1987. وقد يحسب للرئيس المؤقت الحالي المنصف المرزوقي أنه نفض الغبار عن أروقة القصر وحوّله إلى فضاء متاح للعموم، لكن عدا ذلك فإن الجدل قائم بشأنه حول مدى توفره على مواصفات رجل الدولة.

ويتعين على المرزوقي، الذي ترشح للسباق الرئاسي، هذه المرة إثبات ذاته في أهم اختبار بحياته السياسية، إذ سيكون ملزماً بجمع أكبر ما يمكن من الأصوات إذا ما أراد اعتلاء دفة الرئاسة بأصوات الناخبين مباشرة، بعد أن كان اعتلى المنصب بأغلبية أصوات نواب الائتلاف الحاكم إثر انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2011 ليبقى في المنصب لأكثر من ثلاث سنوات خلال فترة الانتقال الديمقراطي.

لكن مهمة المرزوقي لن تكون سهلة في ظل وجود أسماء أخرى بارزة في السباق الانتخابي مثل الباجي قايد السبسي وأحمد نجيب الشابي وحمة الهمامي ومصطفى بن جعفر وحتى وزراء من نظام الرئيس السابق وحزب التجمع الدستوري المنحل. ومع غلق باب الترشح للانتخابات الرئاسية غداً الاثنين (22 أيلول/ سبتمبر 2014) يبدأ العد العكسي للموعد الانتخابي الحاسم في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر. بيد أن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الأسماء ستعول فعلياً على برامج انتخابية واقعية خلال حملاتها الانتخابية أم أنها سترتكز في المقام الأول على رصيدها السياسي والنضالي.

قصة ملهمة

وفي هذا السياق، يقول الهاشمي الحامدي، رئيس تيار المحبة، وهو أول من أودع ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية، لـ(د.ب.أ): "معارضة النظام السابق تعطي أفضلية لعدد من المرشحين في رأيي، غير أنها ليست كافية لحسم اختيار الناخب، إذ يضاف إليها عامل التوجه السياسي العام (يسار وسط يمين) وطبيعة البرنامج".

ويضيف الحامدي "المرشح اليساري سيكون مفضلاً لدى اليساريين، والمرشح التجمعي سيكون مفضلاً لدى قطاع من التجمعيين، بالنسبة لي مثلاً، أعتقد أنني سأحظى بتأييد قطاع معتبر من التونسيات والتونسيين المحرومين من دفتر معالجة، والعاطلين عن العمل، والمتقاعدين، والمؤيدين لاعتماد الإسلام مصدرا للتشريع، والمتحمسين للديمقراطية".

وقصة الصعود المدوي لحزب الحامدي تحت اسم تيار العريضة وحلوله ثالثاً في انتخابات 2011، إلى جانب نجاح حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي جاء ثانياً وحاز منصب الرئاسة، تعد ملهمة لأغلب المشاركين في السباق الانتخابي إلى الرئاسة من حيث حضور عنصر المفاجأة وتكافؤ الفرص ،لكن المخاوف من تأثير المال السياسي تسيطر على الأحزاب الصغيرة وعلى المرشحين المستقلين. ويقول نصر بن سلطانة، وهو خبير أمني ومؤسس مركز دراسات الأمن الشامل، ومن بين المرشحين للرئاسية لـ(د.ب.أ): "كل شيء ممكن في الانتخابات: نحن نمر بظروف استثنائية نحتاج فيها إلى البحث عن سياسة لإدارة شؤون الدولة تجمع بين الأمن والديمقراطية والتنمية". ويضيف بن سلطانة "المال السياسي رغم كثرته، فهو لن يكون عنصر حسم، يجب الاتعاظ من درس 2011، هناك من أنفق المليارات، لكنه خرج خالي الوفاض من الانتخابات".