اليمن.. حراك شبابي يتصاعد وتخلي الأقاليم عن صنعاء

الإثنين 26 يناير-كانون الثاني 2015 الساعة 10 مساءً / مأرب برس -رشاد الشرعبي
عدد القراءات 4321
 
 

تتصاعد وتيرة الأحداث في اليمن بصورة دراماتيكية لم يتخيلها حتى من توقعوا نتائجها كاستقالة أو إقالة الرئيس "هادي" بضغط جماعة الحوثي, وبدعم عدوها القديم ظاهرياً وحليفها الحالي واقعياً الرئيس السابق, ويبدو أن محاولات ممثل الأمم المتحدة لإنهاء فترة الفراغ السياسي سريعاً لن تنجح مع إنهاء أحزاب المشترك حوارها مع الجماعة لإثناء "هادي" عن استقالته.

حالة ركود سياسي لمختلف الأطراف اليمنية خيمت على البلد, بالتزامن مع نشاط منفرد لجماعة الحوثي على مختلف المستويات عسكرياً وإعلامياً وسياسياً وإدارياً, توجته باستكمال السيطرة من قبل مليشيا الجماعة على ما تبقى من مؤسسات للدولة تتمثل بدار الرئاسة والقصر الجمهوري الذي كان يقيم فيه رئيس الحكومة المستقيل, خالد بحاح, كان الهجوم على منزل الرئيس "هادي" وقتل فيه 11 من أقاربه وحراسته الشخصية و38 مصاباً.

وأعقب ذلك الهجوم والتمركز في محيط منزل الرئيس "هادي" مباحثات بين مستشاريه الممثلين لأحزاب المؤتمر الشعبي والإصلاح والاشتراكي والناصري وجماعة الحوثي ومدير مكتب زعيمها, فيما ظهر الأخير في خطاب متعجرف استمر لساعة ونصف هدد فيه الجميع بمن فيهم الرئيس "هادي" بما وصفه "خيارات مفتوحة" إذا لم يلتزموا بالتنفيذ للاتفاقيات والسير في الشراكة وفق التفسيرات الخاصة به وليس ما يراه الآخرون أو وقعوا عليه.

في تلك المباحثات قدم ممثلو جماعة الحوثي قائمة مناصب يتوجب على الرئيس "هادي" إصدار قرارات تعيين لمرشحين من الجماعة فيها تبدأ من نائب للرئيس "هادي" ونائب لرئيس الحكومة ونواب لوزراء أهم الوزارات ورؤساء لأهم المؤسسات الإيرادية والنفطية والرقابية والمالية, ووجه مدير مكتب زعيم الجماعة تهديده أنه جماعته تسيطر على الأرض ولم يعد أمام المفاوضين والرئيس "هادي" من خيار سوى التنفيذ أو أن البيان رقم واحد جاهز لإقالته.

حالة ارتباك ظهرت عليها جماعة الحوثي وتخبط واضح تلى إعلان الرئيس "هادي" بصورة مفاجئة استقالته في رسالة (بدت غير رسمية) وجهها لرئيس البرلمان بعد ساعة فقط على إعلان رئيس الحكومة تقديم استقالته إلى الرئيس "هادي", ولم يجد الأخيران حتى مؤسسة إعلامية عامة يعلنان عبرها استقالتهما بعد إحكام الجماعة سيطرتها على التلفزيون والإذاعة والوكالة الرسمية.

ومنذ مساء الخميس الماضي دخل اليمن فيما وصف أنه فراغ سياسي أو دستوري, مع خوض جدل بشأن الدستور المعطل بفعل المبادرة الخليجية والبرلمان المستند إلى شرعية التوافق التي حددتها المبادرة أيضاً, وتسارعت الأحداث نحو إعلان قياديين في الجماعة ترحيبهم باستقالة "هادي" وشروعهم في مشاورات لتشكيل مجلس رئاسي، واقتحام مقر البرلمان والسيطرة عليه في ظل بروز رغبة للرئيس السابق بحسم الأمر عبر البرلمان الذي يديره أحد المخلصين له.

لم يقف الأمر عند ذلك, فارتباك جماعة الحوثي أظهر عدم توقعهم مبادرة الرئيس "هادي" للاستقالة, فيما كانوا يستعدوا لإقالته وأنباء كانت تفيد بتوقعهم خوضه مواجهات مع مسلحيهم أثناء محاصرة ثم مداهمة منزله تنتهي بمقتله, ما اضطرهم للاتجاه نحو خطوات أخرى ومحاصرة منازل العديد من الوزراء خاصة المنتمين للجنوب وتعز وهو ما يزال قائماً, فيما مدير مكتب رئاسة الجمهورية ما زال مختطفاً منذ قرابة عشرة أيام.

في المقابل, كانت الخطوة الأهم تنطلق شرارتها من مدينة تعز ليلاً بخروج شبابها للتنديد بما اعتبروه انقلاباً على الدولة والشرعية ممثلة بالرئيس "هادي" من قبل المليشيا المسلحة وحليفهم الرئيس السابق, ومعها كانت مسيرات ليلية لشباب في مدينتي إب والحديدة والعشرات في ساحة التغيير بالعاصمة تعرضت للقمع من قبل مسلحي الحوثي الذين صار بعضهم يرتدي زي الشرطة الرسمي وينطلقون من داخل مقراتها وعلى سياراتها وآلياتها العسكرية.

لكن إعلان وفاة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز بعد ساعات قليلة من استقالة الرئيس "هادي", تسبب في جمود الوضع السياسي الساخن لساعات, وتزامن مع وصول ممثل أمين عام الأمم المتحدة جمال بن عمر في اليوم التالي, شرع في مباحثات وصلت إلى طريق مسدود وخروج مسيرات حاشدة وغاضبة في مدن تعز واب والحديدة وذمار والبيضاء وخرجت مسيرة كبيرة في العاصمة صنعاء هي الأولى من نوعها في ظل قبضة الحوثيين.

ومن اللحظة الأولى, أعلنت محافظات إقليمي عدن وحضرموت ولحقتها محافظات إقليم سبأ (مأرب, البيضاء, الجوف), تمردها على عاصمة الدولة التي وقعت في قبضة مليشيات الحوثية خاصة مع انقلابها على ما تبقى من شرعية ممثلة بالرئيس "هادي", وتصاعدت معها وتيرة الدعوات لانفصال الجنوب عن الشمال, والذي عززته الإجراءات والتصرفات التي طالت قيادات الدولة الجنوبيين في صنعاء بصورة تبدو ممنهجة على عكس ما يدعيه الحوثيون بأن انقلابهم لحماية وحدة اليمن وتماسكه المجتمعي.

غير أن محافظة تعز التي تقع في إطار إقليم الجند مع محافظة إب, وهما أكبر محافظات اليمن من حيث حجم السكان ونسبة التعليم والوعي, لها ظروف أخرى, حيث يسيطر عليها الجيش كمحافظة تتبع المنطقة العسكرية الرابعة ومقرها عدن, وحفظها من مليشيات الحوثي منذ أكثر من شهرين ووجهت قيادتها الجيش والأمن بمضاعفة انتشاره فيها عقب إعلان استقالة "هادي", فيما محافظة إب تخضع لمليشيات الحوثي بكاملها.

في عدن وبقية محافظات الجنوب والشرق تحركت اللجان الأمنية لإحكام قبضتها على تلك المحافظات عبر قوات الجيش والأمن التي صارت لا تخضع لسيطرة صنعاء, واستعانت في عدن (عاصمة دولة الجنوب قبل توحيد الشطرين في عام 1990م), باللجان الشعبية التي أسسها الرئيس "هادي" ووزير دفاعه السابق في محافظتيهما (أبين) لمواجهة "تنظيم القاعدة" و"أنصار الشريعة" الذي سيطر عليها تماماً بتواطؤ من الرئيس السابق عام 2011م.

صار اليمن يتجه نحو المستقبل الذي حذر منه الكثيرون, والذي يتمثل بالتفكك كدولة والتشظي كمجتمع, فيما أن الحلول السياسية صارت غير مجدية ومملة جراء وجود جماعة مسلحة تمكنت بدعم من الرئيس السابق من السيطرة على عاصمة البلاد والمحافظات المهمة شمالاً وغرباً على البحر الأحمر وتعمل وفق أجندة إيرانية واضحة دون أن تهتم لليمن ودماء أبنائه, وتفرض سيطرتها بقوة السلاح ونهب المال العام والعبث بثرواتها بصورة أسوأ مما كان قبل عام 2011م.

ولأداء الرئيس "هادي" المرتعش دور كبير فيما آلت إليه الأوضاع, وساعده في شرعنة إجراءات وتحركات جماعة الحوثي مبعوث أمين عام الأمم المتحدة, جمال بن عمر, وسفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية (أعضاء مجلس الأمن الدائمين ودول الخليج العربي), والذي يعتبره البعض تواطؤ ضمن أجندة تلك الدول لضرب ثورات "الربيع العربي" وجماعة الإخوان المسلمين التي يصنفون حزب الإصلاح اليمني عليها.

والبعض يشير إضافة إلى التفاهمات بين إيران وأمريكا بشأن اليمن ضمن ما احتضنته سلطنة عُمان من مباحثات, ورفع جماعة الحوثيين للافتة شراكتها في الحرب ضد الإرهاب و"تنظيم القاعدة", إضافة إلى خذلان الأحزاب اليسارية والقومية لشريكها الإصلاح, كان له دور في ذلك, فيما ظل الاستهداف للإصلاح إقليمياً ودولياً كابوساً أربك أداؤه وما زال.

الحوارات وصلت وستظل إلى طريق مسدود, والرئيس السابق يدفع نحو حسم قبول استقالة "هادي" وتولي رئيس البرلمان الموالي له, فيما البرلمان عاجز عن عقد جلسته لسيطرة الحوثيين عليها وعلى مؤسسات الدولة بصنعاء وقد تشكل جماعتهم مجلس رئاسي لن يعترف به اليمنيون الخصوم والحليف, فيما تتسارع خطوات تفكك الجنوب والشرق والوسط عن مركز الدولة في صنعاء, مع إصرار الرئيس "هادي" على عدم التراجع عن الاستقالة.

وحده الشارع اليمني كقوى سياسية وشبابية ترى نفسها أمام ثورة جديدة لإسقاط الانقلاب واستعادة الدولة, بالشراكة مع ما تفرضه 4 أقاليم على المركز إن لم تنفصل عنه, حيث إنها مصدر للنفط والغاز والكهرباء و2000 كيلو متر من الساحل على البحرين الأحمر والعربي, وسيكون من الصعب على الحوثي إحكام السيطرة على أقل من 25% من مساحة اليمن و20% من إجمالي سكان نسبة كبيرة منهم تختلف معه وترفضه رغم انتمائها للمذهب الزيدي الذي يتدثر به.

* موقع مجلة المجتمع الكويتي