هل الحصانة تشمل جريمة "الخيانة العظمى!
مجدي منصور
مجدي منصور

تعتبر الولايات المتحدة أن الحرس الجمهوري والأمن القومي والأمن المركزي أجهزة تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية ولجهاز الأمن القومي الأمريكي، هكذا يعتبرونها، وتصر الولايات المتحدة على أن هذه الأجهزة هي ملك خاص بها، فقد أشرفت على تدريبها، وقد مولتها، وقد عملت فيها على مدى سنوات عديدة في بناء قيادات "مخلصة" ، تحت غطاء مكافحة الإرهاب!

هذه القيادات "المخلصة" هي بقايا النظام اليوم، وهي تلك التي يطالب الثوار والأحرار برحيلها أو محاكمتها!

وقبل الثورة، كانت تجد الولايات المتحدة فوائد جمة في هذه الوحدات العسكرية والأمنية، ومن هذه الفوائد الكبيرة، أنه رغم كونها وحدات تقوم بمهام أمريكية خالصة إلا أن نفقاتها كانت من ميزانية الجمهورية اليمنية، بل من معظم هذه الميزاينة! والمضحك أن المبالغ الإضافية التي كانت تقدمها الولايات المتحدة لهذه الأجهزة تقدم على أساس أنها مساعدات للجمهورية اليمنية! بينما الصحيح أن ميزانية الجمهورية اليمنية لهذه الوحدات، هذه الميزانية الكبيرة، هي مساعدة يمنية للولايات المتحدة!

المهم في الأمر هنا، أنه في ظل هذه الثورة، والسياق المذكور، فإن بقايا النظام من هذه الأجهزة والمؤسسات، تعتبر بأن بقائها في رأس هذه الأجهزة الأمنية والعسكرية، ليس مصلحة خاصة بها فحسب، وإنما هي مصلحة للولايات المتحدة! ولولا هذا الشعور والاعتقاد، لكانت هذه القيادات قد تنحت منذ فترة أمام هذه الثورة المستعصية!

وهذا ما يفسر الوقاحة في بقاء هذه القيادات في مناصبها إلى هذه اللحظة، فرغم فقدانها لكل الشرعية، ورغم فقدانها لكل ماء الوجه، إلا أنها ما زالت تتسلح برصيد "الإخلاص" للولايات المتحدة، وتعتبره المناعة أمام عبارات "الرحيل" ورشقات الأحذية!

بل إن الأمر المثير للاشمئزاز أكثر، هو أن هذه القيادات لم تعد قادرة على الدفاع عن نفسها ووجودها، ولكنها تمارس البلطجة وسياسة حافة الهاوية، لأنها تعتمد في ذلك على عقلانية السياسيين والعسكريين المنضمين والصانعين للثورة، الذين يحرصون كل الحرص على سلامة اليمن وعلى مستقبله بل وتذرف دموعهم حبا وخوفا عليه!

فهؤلاء البقايا تدرك شجاعة وقوة وإرادة الثوار والعسكريين المنضمين إلى الثورة، ولكنها تستفيد من حرصهم على حقن الدماء، ولذلك تتعنجه وهي الضعيفة، راكنة إلى سياسية ضبط النفس التي يمارسها الثوار!

ولذا فهم سيستمرون في مواقعهم، حتى تقرر لهم الولايات المتحدة بأنهم منتهيي الصلاحية تماما!

صحيح أن الولايات المتحدة من عادتها أن تقوم سريعا بتبديل رقعها البالية في المنطقة العربية، ولكن هذه المرة وفي ظل هذه الثورات الوطنية العارمة فإنه من المستحيل أن تنجح الولايات المتحدة في استبدال كروتها ورقعها! ولذلك تفضل الولايات المتحدة، للأسف، في الوقت الراهن، أن تحتفظ ببعض هذه الرقع البالية إلى أجل غير مسمى، رغم كل جيفتها!

والأمر الآخر الخطير، أن هذه الرقع البالية تحاول أن تعوض قيمتها المفقودة بمزيد من الإخلاص، لعل ذلك يمدد في صلاحيتها!

وهنا ننصح الأمريكيون بأن عليهم من الآن وصاعدا، بدلا من الاستثمار في الأجهزة العسكرية والأمنية اليمنية، أن يستثمروا في علاقات ودية مع الشعب اليمني، وأن يسحبوا "المخلصين لهم" من قيادة مؤسساتنا العسكرية والأمنية!

لأنه ليس لائقا بالولايات المتحدة، بعد أن تحسنت صورتها في الربيع العربي، أن تقدم نفسها كحائط صد للأحذية المتراشقة على بقايا النظام، صحيح أن ذلك الحائط غير مرئي، ولكن وقع الارتطام المدوي يكشف ذلك الحائط للكثيرين، وحينها يصبح هو المرمى!

إن عزيمة الثوار وقوتهم قادرة بعون الله على إزالة كل الأسلاك الشائكة التي تقف بينهم وبين بناء جيش وطني حر وأجهزة أمنية مخلصة لليمن ومتعاونة مع العالم والإقليم!

إذا كان بقايا النظام قد حاول أن يقدم من فلذات أكباده نماذج لجيل يمني مخلص للولايات المتحدة، فإن الثورة تقدم من كبارها وشبابها جيل مخلص للجمهورية اليمنية، ولكن هناك فرق آخر مهم، وهو أن الأول مخلص للولايات المتحدة وعدو للشعب اليمني، بينما الثاني مخلص للجمهورية اليمنية ومستعد للصداقة مع الولايات المتحدة على أساس من الاحترام وليس لتلك العلاقة الأخرى الدنيئة!

على الولايات المتحدة أن تدرك بأن اليمنيين قرروا بعون الله استعادة أجهزتهم الأمنية والعسكرية، لتكون أجهزة وطنية، وعليهم أن يتقبلوا الأمر الواقع، الأمن القومي يجب أن يكون تابعا لليمنيين، والحرس الجمهوري تابع لليمنيين، والأمن المركزي تابع لليمنيين، وكل مصالح أمريكا المشروعة محفوظة في الربيع العربي، أما مصالحها غير المشروعة فهذا زمن القحط له! 

وفي الأخير نود أن نطلب من الولايات المتحدة ومن دول الخليج أن تحدد هل الحصانة التي منحت للنظام اليمني تشمل جريمة "الخيانة العظمى"، وإن كان كذلك فنرجو تحديد ذلك في نص الحصانة!


في السبت 11 فبراير-شباط 2012 11:08:16 ص

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://www.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://www.marebpress.com/articles.php?id=13691