|
خرج الشباب اليمني عاري الصدر، خاوي البطن بعد أن ملّ من طول الكلام، لا يلوي على شيء عدا ثمة طلبٍ صغير يمكن أن يحقق له مقومات لفرص الحياة وو بأدنى مستويات الكرامة، يريد بيتاً من مجرد زجاج.. ولم يعد يرده حجراً عاتماً أو رخام... فقد كرهوا أن يروا النور في حجرة رب البيت ولباقي الأبناء الظلام.. ربٌ..أكرم الأصفياءَ كرزاً، أثخن السكان إمعاناً بكل أنواع الصيام. فبعد طول خوف، صار بيت الزجاج حلمنا.. لم نعد نخشى الآخرين بطوبهم ما داموا يروننا من بعيد نملأ البيت قوةً ووئام..مادامت جدرانه المصقلة تعكس نور شمس حماستنا لتعمي حدقات اللئام.. مادامت شفرات أسواره الحادة تقطع أيدي التسلل تحت أستار الظلام.. بيتاً عنوانه الأبرز نورٌ..وضوحٌ..وشفافيةٌ..ونظام.
يريد شعبنا، يا فخامة الرئيس، بيتاً شفافاً من زجاج لا تختبئ في سراديبه عفافيش سوداء.. تتربص بأهله المرضى لمص مزيد من دماء.. بيتاً شفافاً للعيان رأساُ وظَهراً وأطرافاً وأحشاء.. ليس فيه ما نخشى على أنفسنا من وشايةً "لأمنستي" عن حقوق إنسان، أو تهمة من ممارسات فساد، أو ضغط من بنك دولي.. وهو ما نحتاج إليه، فلا يُخفي بيتنا صفقات سفه الإنفاق ويظهر جميع صناع الأنفاق..
نريد بيتاً يستطيع جميعُ ساكنيه استخدامَ مرافقه سواسيةً دون تمييز، ممراته مستقيمة ملئى بالإرشادات الواضحة، لا تنطوي على مطبات تعيق سير أبنائه، ولا تموء قاعتها بالألغام والأشواك التي تدمي المارة، بل سبيل تقودُ الى أبواب وسيعة جميعها مشرعةٌ على أثاثاتٍ من العدالة والكرامة الإنسانية. بيتاً لا يشكو فيه ساكن من ظلمٍ قاهر أو فاقةٍ مُذلَّةٍ أو جُوعٍ كافر بينما مخزن الخير تحت أرجلهم عامر..كان في الأمس القريب وكراً للثعابين والمغالين في الرقص على سمفونية مزيفة للبناء والحب وهو الواقع حفار مقابر!
نريد بيتَناً من الزجاج، لا تخفي جداراته من يوسخ الطرقات ولا من يزرع الخلافات ولا من يسرق البن ويبدله بالقات. بيتاً نأتلف فيه جميعاً نساءً ورجالاً شيوخاً وأطفالاً وشباباً.. نتسامر حول موائدنا التهامية..ندفع البرد بلحفنا الشبامية.. نتحدث لغةً واحدة ..نقهقه من داخل قلوبنا بصفاء، تأكل أصابعنا من ذات الإناء.. نقطن بيتاً ننظفه سوياُ بروح مودة وإخاء.. نعلي طوابقه بأيدينا ..تزخرف جدرانه بصمات أكفنا السمراء.
نريد بيتاً ننامُ فيه سويا على طمأنينةٍ، ونستيقظُ على عملٍ وتنمية، ولا نقشعر فيه من زمهرير ليل أو تشتكي بطوننا من جوع أو ينالنا فيه خوف من مستقبل. بيتاً يُضاءُ بأنوارِ العدلِ الساطع ويعلونا سقف الوحدة الرافع.. ونستحمُّ برذاذ الوعي والعلم، ونتزين بلباس الإتقانِ والإحسان.
بيتاً لا يتسلط فيه متنفِّذٌ على ثروةٍ ولا يتلصص سفيه على عورة.. ولا ينجح حاقد في إيقاد فتنة باسم ثورة.
نريدُ لبيتنا سوِّراً عالياً من الإخلاص، يحرسه أبناءٌ أمناء أقوياء لا علوجُ غرباء.. ولا ذاك الذي انجر لشريحةٍ أو فئةٍ لها في الادعاء صوت عالٍ يصل الآفاق.. يؤمه أبٌ رؤومٌ يعم خيرهُ كل الأبناء.
لم يعد بيتنا يتحمل الاهتزازات ولا الصفقات ولا مزيد من إدعاء حصادُها في النهاية آلام وويلاتٌ وزجاجٌ مُكسَّرٌ.. وأشلاء.
نريد يا رئيسنا وطننا بلا شائبةٍ .. بنقاوة الزجاج.. يجرح من يلمسه بشرّ.. ويمنح من يداعب سطحه المصقول عذوبة الماء.
وعلى ذلك أرنا، فخامتك، كيف يكون تغيير جدران وممرات وأبواب بيتنا، نحو بيت نستطيع فيه أن نلمس وظيفته ونتمتع في كل أرجائه بالأمان والسلام وراحة البال.. وكيفَ تكونُ الحرياتُ طريقاً إلى دولة آمنة، وكيف تكون المحاسبة الفورية لأبنائه المزعجين درباً مشروعاً لعيش الأمان .
نحنُ لا نريدُ في بلدنا ثوراتٍ، فالثورة مصحوبة بالدم ونحن مثلك، ولربما أكثر، نحتاجُ أن نركن في العيش في بيت صلب الأساس.. متماسك البنيان.. شفاف الجدران .. غيرِ آيلٍ إلى السقوط عند أول نفخة ريح. ولذا ندعوك يا رب بيتنا أن تمضي في بنائك البيت ونشاركك في بنائه من دون احتكار سلطة أو قرار، لنعيد ترتيب بيتنا الضعيف المقوض حتى نصنع فيه رسومنا الجميلة ويتَّسعَ لأحلامِنا الكبيرة..
في الإثنين 04 يونيو-حزيران 2012 08:47:05 م