أرحب.. البلدة التي لم تغادرنا
عمار  التام
عمار التام
 

  الحلقة(1)

في بداية شهر يوليو من العام 1998م قرر والدي وأخي الأوسط الذي يكبرني بعشر سنوات أن أغادر منطقتي: بلاد البستان - بني مطر{بني مطرَّف كما تقول بعض المصادر نسبة إلى الجد الذي انتسب له شيخ المطرَّفية شهاب بن مطرِّف ومن ثم المطرِّفية}، وعزلتي: بني شهاب، نسبة إلى شهاب بن مطرَّف، وقريتي (المساجد) يعرفها الكثير؛ كونها تقع على جانبي طريق صنعاء - الحديدة وطالما كانت موضع استراحة للشهيد الحمدي رحمه الله، ولا زالت أشجار الكافور العملاقة، ومشروع المياه يجسدان بصمات الشهيد إبراهيم الحمدي -رحمه الله- الذي كانت حكايات والدي ووالدتي وغيرهما عنه تكبر معي منذ طفولتي.

قرية المساجد استوطنتها أسرتان من (هشاهش) خرافة الإمامة، الأولى: كانت تعلن عن نسبها الهاشمي المزعوم، محافظة على انغلاقها عدا أفراد قلائل منها. والثانية: لم تجاهر بسلاليتها إلا قبل عامين، والأسرتان بمجملهما لم تتركا فرصة لمحاربة حركة الوعي المتصاعدة في القرية والقرى المجاورة بعزلة بني شهاب إلا وانتهزتاها.

حركة الوعي والتجديد هذه كانت بذورها{أرحبية} المنشأ، من خلال من تخرجوا من معاهد أرحب ومحاضنها التربوية. ولم تتوان الأسرتان طيلة أربعة عقود عن إشعال الفتن في منطقتنا، وعملتا على تشويه كل من يبرز علمياً أو ثقافياً من أبناء القرية والقرى المجاورة، وهو سلوك هاشمي إمامي ما كان اليمنيون ليصدقوه لولا انكشاف كل أقنعة الزيف الإمامي بعد نكبة 21سبتمبر 2014م .

ورغم هذه الحرب النفسية ارتقى سلم المجد من قرية المساجد عشرون شهيداً جمهورياً حراً كريماً - رحمهم الله هم وكل شهداء اليمن الجمهوريين- ونَفَرَ من هذه القرية أكثر من مائة فارس جمهوري حميري في جبهات مأرب ونهم، ولا زالت أيديهم قابضة على الزناد منذ ست سنوات مع عشرات الآلاف من رفقائهم في السلاح من كل مديريات اليمن وعزلها وقراها.

*الطريق إلى أرحب*

قرر والدي وأخي الأوسط مغادرتي القرية، والتوجه للدراسة في أرحب التي كان لمخرجاتها أبلغ التأثير على أولياء الأمور ليدفعوا بأبنائهم للدراسة هناك رغم شن الإماميين الحرب الإعلامية ضدها، وبثهم للشائعات المشوهة لها.

 كان على رأس الشخصيات المؤثرة على الأهالي الأستاذ المربي قدري المساجدي-حفظه الله- فبعد تشويقنا واقتناع أسرنا، أقلّنا على سيارته <نوع هيلوكس غمارة موديل 96 > بصحبة أحد عشر طالباً كلهم في بداية الثانوية العامة، والأستاذ قدري هو الرجل الثاني ببني مطر بعد الأستاذ المربي عبدالله القامز -رحمه الله- الذي توفى شهيداً بأحد مستشفيات القاهرة على إثر سم طويل الأجل دُسَّ له بمعتقلات الحوثيين.

 كان الأستاذ المربي القامز -رحمه الله- هو رائد العمل التنويري ببني مطر والحيمتين وحراز وخولان وبلاد الروس وسنحان.

أما الأستاذ قدري فقد كان الأول على الجمهورية للقسم العلمي بالمعاهد العلمية، وحصل على منحة دراسية من جامعة أم القرى بالسعودية، وأكمل البكالوريوس تخصص رياضيات بامتياز، وترك دراسة مرحلتي الماجستير والدكتوراه من أجل الرجوع إلى اليمن، ونشر الوعي الإسلامي والوطني في الأرياف والقرى والعزل اليمنية.

وكانت هذه سمة بارزة لكل رواد حركة التجديد الإصلاحية الوطنية بالثمانينات والتسعينات،؛ فرغم نبوغهم المعرفي وتميزهم العلمي، إلا أنهم ضحوا بفرص حصولهم على الدرجات العلمية؛ ليتفرغوا للعمل التنويري التربوي الثقافي في أرياف اليمن وعزلها وقراها.

رحم الله من سبقنا إليه منهم، وأمد الله من تبقى منهم بالصحة والعافية، ورزقهم الله حسن الختام، وجزاهم الله عنا وعن اليمن خير الجزاء.

كنا في صندوق السيارة نصطحب هدايا أمهاتنا الكريمات، من كعك وخلطة البهارات والفلفل والملح وبعض المكسرات، وكنا نتبادل الطرف(النكت)، وكانت تنتابنا مشاعر جياشة ونادرة، فهذا هو أول خروج لنا من بيوتنا ومنطقتنا باتجاه أرحب -معهد الحسين بن علي ببيت مرَّان تحديداً-.

لما تجاوزنا سوق جامعة أرحب ظهرت أمامنا جغرافية أرحب الشامخة القاسية ونحن أسفل عتبة بيت مرَّان، وبدأ التذمر يظهر من بعض الزملاء فقال: "أعوذ بالله والبلاد" وخاصة تلك التي لا زال آثار براكين زمنٍ غابر ماثلة للعيان على جوانب الطريق، لكن من بين الجميع كنت أنا ومحمود صلاح، وعلي صالح نشكل بالقرية ثلاثياً متنافساً على الالتزام بالمسجد، وحضور الأنشطة الثقافية والرياضية لمدرسة الريان للتحفيظ ونادي الريان، لذا كانت نظرتنا وتصوراتنا مختلفة عن أرحب، وأنها ليست اللواء الأخضر، ولا مدرجات جبل صبر، ولا سفوح الجبين وعتمة ووادي الدور، بل كانت نظرتنا أنَّ أرحب: مصنع الرجال، ومنبت القادة.

وكانت هذه الغاية النبيلة هي الدافع للبقاء والاستمرار لنا الثلاثة، حيث تسرَّب ثمانية من طلبة قريتنا من الدار هروباً وتكاسلاً منذ بداية مرحلة التسجيل، وبقينا نحن الثلاثة والتحقنا بدورة الاستقبال لعشرة أيام، وفي نهاية الدورة تم قبول علي، واستبعد عمار ومحمود، نظراً لكثرة الإقبال على الدار والسكن الداخلي ببيت مرَّان من كل محافظات الجمهورية، فقد كان يتم قبول الطالب المتميز من كل منطقة، وكان علي صالح أكثرنا تفوقاً في الحفظ، حيث حفظ المصحف كاملاً بالقرية بعضه بمدرسة الريان، والباقي بمفرده بمتابعة المصحف المرتل لأحد أئمة الحرمين الشريفين بمحراب المسجد الكبير والبيت.

كان إصرارنا كبيراً ورفضنا أنا ومحمود صلاح المغادرة بعد إعلان النتيجة، وافترشنا الأرض والتحفنا السماء ثلاث ليالٍ حتى تم قبولنا من الإدارة بشرط دفع رسوم الدراسة كاملة، وشراء المنهج العلمي كاملاً، ومن ضمنه كتاب متن الدرر البهية وشرحها لشيخ الإسلام الشوكاني -رحمه الله- فقبلنا ذلك، وكان خبر قبولنا بالدار بمثابة ميلاد جديد لنا لن يفارق ذاكرتنا ما حيينا.

*المعاهد نقطة تحولية في تاريخ اليمن الحديث*

كانت قبيلة أرحب إبان ثورة 26سبتمبر منقسمة بين المعسكر الإمامي والمعسكر الجمهوري، وكانت كفة المدافعين عن الإمامة أكثر من المقاتلين في صف الجمهورية، ولم يكن تغير أرحب لـ180درجة مع الجمهورية ضد الإمامة، وضد كل مشاريع الاستبداد إلا تجسيداً لدور المعاهد العلمية بشكل أساسي في التغيير الكبير للمجتمع الأرحبي، بإشراف وحضور مباشر ومؤثر للشيخ عبدالمجيد الزنداني -حفظه الله- رفيق درب أبي الأحرار الزبيري رحمه الله وتلميذه، إضافة للتيار الجمهوري الذي تصدَّره بيت العذري، وكان للشيخ حميد بن عبدالله العذري -حفظه الله وأحسن ختامه- دور كبير في إنشاء المدارس القوية والتأسيس للمشاريع التي بسطت نفوذ الجمهورية خلال فترة التعاونيات تحديداً، وكانت مدرسة النور ببيت العذري التي درست ثالث ثانوي فيها تحصل على أعلى المراتب في تقييم المدارس بمكتب التربية والتعليم بمحافظة صنعاء، تليها مدرسة الحيفة، ولا تنسى ذاكرة أبناء أرحب الدور التنويري المتميز للأستاذ التربوي علي العرشاني -رحمه الله- مدير المركز التعليميي بأرحب الذي كان مخلصاً ورائعاً وجاداً في إدارته التربوية للمدارس، وهو شقيق القاضي مرشد العرشاني -حفظه الله- بل إنَّ القاضي مرشد العرشاني مدين بتعليمه وتأهيله لهذا المعلم التربوي الكبير، وكان ابنه عبدالرحمن بن علي العرشاني من أعز زملاء الدراسة ببيت مرّان.

كانت المعاهد العلمية تجربة وطنية متميزة، وقد بلور فكرتها على غرار المعاهد الأزهرية بمصر- القاضي يحيى بن لطف الفُسيِّل، وتبناها الرئيس الحمدي- رحمهما الله - ولم يكن دور الحركة الوطنية الإصلاحية في المعاهد إلا دوراً تبعياً ومعززاً ومكملاً لما بدأه القاضي الفُسيِّل، وأقره وتبناه الرئيس الحمدي رحمهما الله تعالى.

مثّلت المعاهد العلمية نقطة فكرية تحولية في تاريخ اليمن الحديث بإحياء تراث رواد مدرسة الفقه والحكمة اليمانية وفكرهم[الشوكاني، الوزير، ابن الأمير, المقبلي]، وهي المدرسة التي ساهمت في ضرب فكرة الزيدية الهاشمية المتعصبة والمنغلقة في شمال الشمال، وفي الوسط ومناطق تهامة، وأخرجت للمجتمع خطباء ودعاة وموجهين كسروا قداسة الاحتكار الهاشمي العنصري للخطاب الديني، ولم تفرق بين أيٍ من مكونات المجتمع وأعراقه، كما أحيت تراث اللغة العربية بتوسع في النحو والصرف والأدب، وكانت مقرراتها أمهات المراجع في اللغة العربية كابن عقيل، وملحة الإعراب، وقطر الندى، ..إلخ.

 وكان الفريق التعليمي المصري والسوداني -وخصوصاً المصري- على مستوى كبير من التأهيل العلمي والتمكن المهني في طرق وأساليب التدريس بالمعاهد.

ُُُلكن يؤخذ على المعاهد أنها لم تعتنِ بالعلوم الإنسانية كالمنطق والفلسفة، كما أنها أهملت التاريخ الوطني لليمن قديماً وحديثاً، وأنها -رغم إحيائها مدرسة الفقه والحكمة اليمانية- رسخت الهوية الإسلامية العامة على حساب الهوية الوطنية الخاصة باليمن، وهذا من أهم الأسباب التي أذكت جذور الصراع بين الإسلاميين والقوميين في اليمن، حيث قوبلت المثالية الإسلامية بتعصب قومي متشدد استدعى صراع العواصم العربية بين التيارات القومية والإسلامية إلى صنعاء وعدن، وتضرر اليمن كثيراً جرّاء هذا الصراع.

ورغم كل ذلك إلا أنَّ المعاهد العلمية أخرجت جيلاً مثقفاً رائداً، انخرط في مؤسسات الدولة الرسمية كافة، كما انخرط في معظم المكونات الحزبية والاجتماعية بفكر إسلامي وسطي ومتوازن.

كان لأرحب النصيب الأكبر من هذه المعاهد، وكان أولها معهد الحيفة ثم معهد الحسين بن علي ببيت مرَّان، ومعهد الحسن بن علي بدرب هزم، وكان للمعاهد وروادها الذين هم رواد الحركة الوطنية الإصلاحية بأرحب- أكبر الأثر ثقافياً وتنويرياً، حيث أوجدوا بنية تحتية للوعي تجاوزت المؤسسات التعليمية التقليدية؛ ليتغلغل هذا الوعي في كل شرائح المجتمع،

وليشمل أغلب عزل أرحب وقراها، حتى أصبح المجتمع داعماً ومسانداً لتلك المؤسسات التعليمية التربوية التي عم خيرها أرجاء اليمن كلها.

وحتى بعد إلغاء المعاهد ودمجها، ظلت دور القران الكريم تؤدي دورها كامتداد لحركة التنوير والوعي، حيث كان لإيجابية المجتمع الأرحبي ومساندته ودعمه الدور الأكبر في نجاحها إلى أن فُجّرت ودُمّرت حقداً بعد الاجتياح الهاشمي الإمامي(الحوثي) لأرحب، في 12 ديسمبر 2014م.

*بيت مرّان وشاكر*

بيت مرّان هو مركز مديرية أرحب، وداعيهم مع عزلة شاكر واحد، وما يميز الدراسة بأرحب أنها لم تقتصر على منهج المعهد، أو حلقات القرآن الكريم أو التعبئة والتربية الدينية الإسلامية، بل إنَّ المجتمع بحد ذاته مثّل مدرسة اجتماعية قبلية تُصقل فيه شخصية الطالب من خلال الخروجات الأسبوعية للمساجد والمدارس ببيت مرّان وبقية القرى المجاورة والبعيدة، وإحياء المناسبات الاجتماعية بفرق الإنشاد والشعر والمسرح والبرع، وإقامة المراكز الصيفية الثقافية والرياضية للشباب، كلها أتاحت للطلاب الاختلاط بالمجتمع والتأثر به والتأثير فيه.

لم تقتصر دراسة الطلاب على أيدي مدرسي المعهد العلمي، أو مدرسي الحلقات القرآنية بالدار ومشائخ العلوم الشرعية؛ بل إنهم درسوا وتشبعوا بالقيم والأخلاق والأعراف والتقاليد الاجتماعية على أيدي الملأ ورؤوس القوم ببيت مرَّان وشاكر وزندان، فقد كان الطلاب على احتكاك وتواصل بهؤلاء من خلال ماذكرنا، وكان القاضي حمود شمار -رحمه الله- يؤثر فينا بطرفته وبساطته وتواضعه وعمقه القبلي والاجتماعي أكثر من علمه الشرعي أضعافاً، وكان الشيخ منصور الحنق عضو مجلس النواب- وخريج المعاهد العلمية- بمثابة تصوُّر جديد عن فئة المشائخ لدى الطلاب، كما تعلم الطلبة كثيراً من محاضرات وجلسات حافظة أرحب وحكيمها الأستاذ المربي عبدالله مبخوت العرشاني حفظه الله، ومن حماسة الأستاذ محمد حسن العرشاني وتشجيعه. وكان من هؤلاء أيضاً: الأستاذ الشهيد صالح الخدري مدير المعهد والمربي اللامع، والشخصية الجادة والبشوشة في وقت واحد، والحاج: محسن الحقاري وعطاؤه اللامحدود ونجدته السريعة إذا سمع بأي محاولة للاعتداء على الطلاب من قبل أدوات مشروع خرافة الهاشمية الإمامية(سنعرج عليه في عنصر مستقل)، والحاج: صالح الرمادي أبو المختطف المغدور إسماعيل، ومكانه الدائم أمام المنبر بمسجد السكن الطلابي للمعهد ثم الدار.

وكانت أحاديث المرحوم الحاج حميد الحقاري- إن تم بناء علاقة معه طبعاً- عن المعارك مع المصريين في شعاب أرحب ووديانها، وندمه على ذلك حيناً وتبريره لبعضها حيناً- أثر في تكويننا وفي شخصياتنا.

كما كان لشخصية الشيخ علي محسن الدباء -رحمه الله- تأثير كبير على الطلاب عند زيارة قرية الجنادبة لقريته، وكان الشيخ محباً لطلاب العلم بلا حدود، يدل على ذلك مداومته على زيارة لدار و المعهد أسبوعياً، وكان رجلاً حكيماً ميسوراً خيِّراً، له سمت يميزه عن غيره في كل شيء رحمه الله تعالى.

وكانت محاضرات ودروس الشيخ عبدالخالق الجندبي حفظه الله، وجدية وطيبة وقسوة الأستاذ أمين راشد -رعاه الله- كلها من المؤثرات التي تركت بصمتها على عقولنا وعلى تصوراتنا إلى اليوم.

أما الكرم الأرحبي - في مناسبات القوم وفي منازلهم ومدارسهم ومساجدهم- فهو مشهور وغير مغمور، ويكفي أن تعيش بين الأرحبيين عشرين أو ثلاثين سنة ولا تحس أنك غريب إلا بالمبالغة في الحفاوة بك من قبل الجميع دون استثناء، كل هذه كانت بصورة أو بأخرى عوامل تأثير وبناء في شخصية الطالب خلال فترة دراسته بأرحب.

وخلال هذه المرحلة كانت علاقاتي الاجتماعية محدودة، ومن أبرز الأحداث التي ما زال لها بالغ الأثر عندي:

زيارة وكلمات ثلاث شخصيات الأولى: الشيخ حمود هاشم الذارحي -رحمه الله-، والثانية: الشيخ محمد حسن دماج -رحمه الله- فقد كان في كلامهما حكمة بالغة ووعي عميق لم ندركهما إلا مؤخراً، وثالث هذه الشخصيات: الدكتور حميد زياد الذي كان لكلماته المشجعة على الإبداع والتطوير والنجاح في وقت مبكر- أثر بالغ علينا.

لا شيء يعدل الأنشطة الثقافية والرياضية للشباب بعمرنا حينها، فالأسمار وفرق الإنشاد والرسم والنشرات والاحتفالات، ومعارض الكتاب والصور والأطباق الخيرية والرحلات القصيرة لغيل الخارد -قبل نضوبه- والطويلة إلى عدن والحديدة وإب وتعز والمخيمات الكشفية، كلها كانت روافد تربوية بنائية عرَّفتنا باليمن، وأخرجتنا لميدان الحياة ومضمارها الواسع، بأدوات مواجهة مقبولة في حدها الأدنى وهذبت نفوسنا كثيراً، وفتّحت مداركنا بصورة كبيرة.

كما أنَّ هناك أحداثاً وشخصيات تعرفنا عليها ببيت مرَّان وشاكر - من خلال المجتمع والزملاء والأساتذة أثناء فترة الدراسة- ومن هذه الأحداث والشخصيات:

* مقتل الشخصية الاجتماعية والثقافية الواعدة- الشيخ يحي أبو قاسم، بطريق الخطأ على يد نجله الصغير، لدى عودتهم من زيارة أسرية إلى قرية الجنادبة بعتبة بيت مرَّان، وقد وقعت هذه الحادثة الأليمة في يوم عيد الفطر، وفي أول عام لنا نقضيه في أرحب، وقد عرفنا بالخبر في مجلس ضم الكثير من شيوخ بيت مرَّان وشبابهم، ووقع الحادث بعد أن رجعنا من إجازة العيد في قريتنا ببني مطر، وقبل أن ندخل دار القرآن بيوم واحد.

*الشيخ علوان أبوهادي رحمه الله الشخصية الأكثر حضوراً في ذاكرة أبناء أرحب إلى اليوم، وقد استشهد في كمين غادر بين الجربتين حدود أرحب وهمدان وعيال سريح بالثمانينات-رحمه الله- وهو شخصية تستحق أن نفرد لها مساحة أكبر إن شاء الله.

*مقتل مشائخ شاكر وتهيئة الملعب القبلي لخنجر أبي لؤلؤة الهاشمي المجوسي {أبونشطان} ولا تزال تداعيات هذه الحادثة تتوالى إلى اليوم.

* حرب بيت مرَّان وعصام وأيادي اتحاد القوى الشعبية{أحد أهم اللافتات السياسية لمجلس حكماء خرافة الهاشمية الإمامية باليمن} الخفية التي كانت تشعلها باستمرار، ليتغلب المجتمع بوعيه عليها وينهيها للأبد.

*الشيخ عبد الحميد القصير -رحمه الله- القيادي الاشتراكي الشهم الذي لم يفرط في أبناء قريته ومجتمعه؛ ليتم تصفيته غيلة بجوار وزارة الداخلية بالمطار, لصالح مركز القوى الذي يتشكل بشاكر وأرحب، وقد أخبرني زملاء ووجهاء من بيت مرَّان عن شخصيته ومناقبه القيادية المتميزة، وقبل عام واحد كنت بمكتبه بالقاهرة، وقد حدثني عنه الدكتور محمد حسن أمين الذي كان من مؤسسي معهد ودار بيت مران حفظه الله ووفقه لكل خير.

*منطقة[اقصط وبيت عبد رب النبي ببيت مرَّان وجوة بيت الحقاري] ذكريات لا تنسى بمزارع العنب والقات، والجلسات المختلسة في محاريس المزارع أو خلف جدرانها للمذاكرة أو الحفظ أو الترويح المقبول عن النفس، بصحبة أصدقاء نبلاء لهم كل التحية والتقدير.

كان من أهم ما أكرمنا الله به خلال فترة الدراسة ببيت مرَّان أنَّ الزملاء والأساتذة هم من أغلب مناطق اليمن، فتعرفنا على اليمن من خلالهم، وتفتَّحت مداركنا لتنوع المجتمع اليمني مبكراً، بعضهم قضى نحبه شهيداً في سبيل الله من أجل العقيدة واليمن والجمهورية، وبعضهم لا زالوا رفقاء سلاح قادة أبطالاً، أو رواد نضالٍ من وجهاءٍ كُتَّابٍ ودعاةٍ وإعلاميين وفنانين، ولم نُمنح في حياتنا منحةً كمنحة الله لنا بهؤلاء الأصدقاء النبلاء الأحرار، جمعنا الله بمن ينتظر منهم بأرحب قريباً في عز وتمكين، وجمعنا بهم في الفردوس الأعلى إن شاء الله تعالى.

هذه هي فصول الحلقة الأولى التي تنتهي أحداثها بإكمال الدارسة بالدار وختم المصحف، وأنا بالصف الثاني الثانوي.

إلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله.

*ملاحظة: تجنبت ذكر أصدقاء آخرين في أرحب حرصاً عليهم، لكني أقول لهم: لن ننساكم أبداً، وأنتم في قلوبنا، ويوم اللقاء بأرحب قريب بإذن الله تعالى.

مأرب الحضارة والتاريخ،

 
في الخميس 08 إبريل-نيسان 2021 07:48:05 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://www.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://www.marebpress.com/articles.php?id=45430