|
العلماء ورثة الأنبياء .. هكذا قالوا ولا أجد سببا وجيها لتكذيبهم وأود أن أصدقهم أكثر لكنهم لا يأبهون بذلك فليس من المهم عندهم على سبيل المثال أن تقوم مديرة مدرسة الشهيد سنان حطروم بمدينة سعوان بإغلاق باب المدرسة في وجه أكثر من مأتي طالبه وتركهن في الشارع لأنهن تأخرن عن تحية العلم .. سيقولون تحية العلم حرام لأنها شرك .. لكن أحدا لن يقول أن ترك الطالبات نهبا للشارع والمارة والاحتمالات السيئة هو جريمة تستحق العقاب مهما كانت دوافعها بل سينشغل خطيب الجمعة كعادته في شتم الحزبية والتحذير من التفحيط ووصف الإيمان وعلاقته بالاطمئنان وبياض الوجه كما لو كان الإيمان مجرد وسيلة لتلطيف الجو أوتنظيف البشرة، وحين يتحدثون عن الطالبات سيكون الحديث عن مؤامرة تستهدف تغريبهن ومسخهن و و و كل ذلك من خلال تحديد سن آمن للزواج.
منذ أكثر من عام .. أي منذ أن حضرت المؤتمر الصحفي الذي عقدته المحامية شذى ناصر بحضور الطفلة نجود وأنا أود أن أكتب عن قضية زواج الأطفال ثم اعدل عنها حين تداهمني مواضيع أخرى أجدها أكثر وجعا وأقل طرحا على أمل أن أجد وقتا للكتابة عن زواج الصغيرات ثم فرحت حين قرر البرلمان أن يحدد حد أدنى لسن الفتاة المتزوجة رغم أن الرقم الذي أقره البرلمان لم يكن هو ما أتمناه كرقم مثالي إلا أنه أخف الضررين وفي الآونة الأخيرة قرأت كثيرا للنائب الشيخ محمد الحزمي ثم تابعت نتائج لقاء عدد من العلماء برئيس مجلس النواب حيث خرج فضيلة الشيخ عبدالمجيد الزنداني من عزلته التي لا يكاد يغادرها في الفترة الأخيرة إلا في مؤتمرات حزبه ووجدت أنه جمع عددا من خيرة علماء هذا الشعب وأقنعهم بمخاطبة البرلمان عبر رئيسه لتغيير النص التشريعي من التحديد الواضح بـ 17 سنة إلى "يعاقب بالسجن كل من زوج موليته وليست صالحة للوطء ولو بلغت 15 عاما" وهذا النص قبل كل نقاش هو مسيء للمرأة إذا يعتبرها وعاء للـ "وطء" قد تكون صالحة وقد تكون غير صالحه وهي الفاظ تطلق على استخدامات البشر لأدواتهم من الأشياء غير العاقلة كالسيارة مثلا أو المنتجات الزراعية على سبيل المثال وهو تصور مرتبط بنظرة فقهية قديمة تجاوزتها العلوم الحديثة – بما فيها العلم الشرعي- وتخطاها علم الإجتماع أيضا وتغيرت النظرة البشرية للحياة وعرف سكان كوكب الأرض أن الحياة مشتركة بين الرجل والمرأة وأنها ليست مجرد (وعاء أو بضاعة) "يجوز لوليها إجبارها على الزواج صغيرة كانت أو كبيرة بكرا كانت أو ثيبا" وأود أن أناقش علماءنا الأجلاء علنا بعد أن وفر لنا الأنترنت فرصة التخاطب عن بعد ووفر العلم الحديث فرصة البحث والإطلاع والتواصل بطرق لم تكن تخطر على بال.. لعل أقوى دليل يستدل به على جواز زواج الصغيرة هو زواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهو استدلال باطل ورغم إيماني بأن صحيح البخاري هو محل إجماع من المسلمين إلا أنني أيضا أومن أن البخاري بشر وأنه أيضا نقل عن بشر وهم نقلوا عن بشر واحتمال الخطأ غير المتعمد وارد ولا ينقص ذلك من قدر الرجل شيء ولا من قدر صحيحه وحجيته من حيث الإجمال وفي خصوص موضوع نقاشنا فإن علم الحديث المقارن أثبت عدم صحة حديث البخاري موضع الاستدلال وفند ذلك الباحث المصري إسلام بحيري في بحث قيم ليس هذا مجال استعراضه غير أن أهم مافيه أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها توفيت عام 73 للهجرة وعمرها مائة عام بمعنى أن الهجرة حدثت وعمرها 27 عاما وهي تكبر أختها بعشرة أعوام أي أن أختها كانت حينها في عامها السابع عشر بمعنى أنها ولدت قبل البعثة بأربع سنين وتزوجها رسول الله وهي في عامها الثامن عشر كما أن ابن كثير يؤكد أن عائشة ممن سبقوا بإسلامهم أي أنها آمنت في مرحلة الدعوة السرية وإذا افترضنا أنها تزوجت النبي عام الهجرة وهي في التاسعة فذلك يعني أنها لم تولد إلا بعد نهاية المرحلة السرية بعام كامل وهذا يكذب رواياتها عن زيارات النبي لهم في البيت قبل هجرة الحبشة لأنه لو صح ذلك لكان عمرها حين ذاك عام واحد فقط وهي حينها لا تعقل كما ذكر الباحث أن كل طرق الحديث تمر من راوي اسمه هشام بن عروة وهو مجروح الحديث في العراق لأنه ساء حفظه في العراق وكل من رواه عنه كان من أهل العراق هذه خلاصة البحث وهذا يكفي لدحض هذه "الشبهة" والذب عن عرض رسول الله صلى عليه وسلم الذي يطعن فيه بعض العلماء من حيث لا يشعرون ولم أجد ردا وجيها أو حتى غير وجيه على الباحث سوى كلام إنشائي وحين حاول احد الباحثين الرد على البحث خلص إلى نتيجة غريبة أصبح بها عمر عائشة ست سنوات فقط ثم جبر كسرا من عامين ليقول أنها ثمانية وهذه عادة العرب في الجبر على حد رأيه، وأما الأحاديث التي يستدل بها على فعل الصحابة فإن فعل الصحابة ليس حجة على الشرع بل الشرع حجة على ماعداه وليس هناك تشريع أبلغ من قول رسول الله لخير رجلين بعده "أبا بكر وعمر" حين خطبا فاطمة رضي الله عنها "إنها صغيرة" وهذا ثابت حيث روى النسائي، وصححه الألباني عن بريدة رضي الله عنه قال: (خطب أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فاطمة رضي الله عنها فردهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال"" إنها صغيرة") وليس معنى كلمة صغيرة أنها لم تبلغ بعد لأن التأريخ يقول أنها ولدت عام 35 لمولد النبي بينما أسلم عمر بن الخطاب عام سنة للبعثة أي عام 46 لمولد النبي وإذا افترضنا جدلا أنه خطبها في ذات العام الذي أسلم فيه فإن عمرها سيكون حينئذ هو 13 عاما ورده رسول الله قائلا إنها صغيره وهو لا شك طلبها وهي اكبر من هذا العمر بكثير وكان رسول الله يعتبرها صغيره بينما يطالب الشيخ الحزمي وبعض العلماء بأن يكون العمر الرسمي للزواج هو 12 عاما وهم في هذا مخطئون ومناقضون لأنفسهم فهم تارة يقولون أن التحديد لا يجوز لأنه تقييد لمباح وتقييد المباح في نظرهم لا يجوز وهي مسألة فقهية جدلية لم يصل فيها الناس إلى اتفاق منذ أن اختلفوا عليها ثم يناقضون أنفسهم بطلب تحديد السن بـ 12 عاما تارة وتارة بخمسة عشر عاما وتارة أخرى بما يطلقون عليه الصلاح للوطء ولو أننا رضينا بأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة لنا لوجدنا أنه لم يزوج ابنته فاطمة رضي الله عنها إلا بعد بلوغها عامها الثامن عشر وهي الوحيدة التي تزوجت زواجها الأول بعد أن بدأت المرحلة التشريعية من الإسلام وهو ما يثبته الإمام ابن الجوزي في كتابة المنتظم حيث يقول عن أحداث السنة الثانية للهجرة"أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، تزوج فاطمة رضيِ الله عنها في صفر لليال بقين منه، وبنى بها في ذي الحجة ...وكانت فاطمة يوم بنى بها بنت ثمان عشرة سنة - المنتظم - (ج 1 / ص 289)" كما يورد الإمام البخاري حديثا للإمام علي بن أبي طالب وفيه دلالة على أن زواجه بفاطمة كان بعد غزوة بدر أي العام الثاني للهجرة وإن صح أنها ولدت عام35 من ولادة النبي صلة الله عليه وسلم فإنها بذلك تكون قد تزوجت وهي في العشرين من عمرها، وفضلا عن كل ذلك فإن القاعدة الفقهية في الشريعة الإسلامية تقول أن "الأمور بمقاصدها" وليست العفة التي يحرص عليها العلماء – وحرصهم مبرر طبعا- ليست هي المقصد الوحيد من الزواج بل إن إنشاء الأسرة المسلمة وإنجاب الذرية الصالحة هما مقصدان أهم من المقصد الأول لأنهما يجران آثارهما على غير طرفي الزواج وقياسا على هذا أفتى الشيخ القرضاوي بحرمة إنجاب من يحتمل في إنجابه عاهات كالجنون وبما أن الأمور بمقاصدها ومن المستحيل "عقلا" أن تكون الطفلة قادرة على إنجاب أطفال أسوياء في الوقت الذي لم يكتمل بناءها الجسدي بحد ذاتها كما أنها لن تكون قادرة على تربية أطفال بالمعنى التربوي وهي لاتزال طفلة ويكون الأمر حينها طفلة تربي طفلة ما يشبه المثل القائل "أعمى يقود أعمى إلى الظلمى" وليس من اللائق أن نفترض أن غسل الأطفال وإصلاح مرقدهم وتنظيف ملابسهم هو التربية فهذه الأمور هي الـ "خدمة" ويقدر عليها الطفل المميز، ومما يحز في نفسي أن الشيخ الحزمي يدعو إلى منع هذا القانون ويهين في سبيل ذلك أعراض المجتمع بالتشكيك في أنه لولا أن البنات يتزوجن في الطفولة لسلكن طريق الجريمة! ولولا ثقتي بحسن نيته لاتهمته بالقذف الجماعي لكل من لم يتزوجن بعد لأنه يحذر من أن تبقى الطفلات بغير زواج حتى لا ينحرفن وهو في هذا يقول تلميحا أو تصريحا أن من لم يتزوجن أصبحن منحرفات، وأود أن أعرف لماذا يصر أصحاب الفضيلة العلماء على إلصاق تهم التغريب والانسلاخ من الدين بكل من خالفهم وذكر مساوئ الغرب بسبب وبدون سبب كلما فتحوا نقاشا علنيا لماذا لا يكون النقاش بينهم وبين الناس مستندا إلى أرضية المجتمع الواحد الذي نعيش فيه ونعايش همومه ؟ لماذا يضطرون إلى صنع فزاعة الغربي الكافر الذي يحاول طمس معالم الإسلام وإخراج الناس من الدين على الرغم من أن الغرب لم يكن بحاجة لأن نترك ديننا من أجل أن يصل إلى الفضاء ويصل إلى ثورة المعلومات ولم يقف ديننا حجر عثرة أمام ثورة المعلومات فكل شيء يسير على مايرام دون منغصات تضطر "الكفار" إلى تجنيد أموالهم وشبابهم ومفكريهم في سبيل القضاء "على هذا الدين" وإذا اتفقنا ونحن متفقون على أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح فإننا لن نختلف على أن وفاة الأمهات هو مفسدة كبرى ولن نختلف على أن أمراض الشيخوخة المبكرة التي تعاني منها النساء اللواتي أنجبن قبل اكتمالهن جسديا هي أيضا مفسدة ولن نختلف أيضا على أن زيادة وفيات الأطفال بسبب إهمال الأمهات أو عجزهن أو موتهن لصغر سنهن هو أيضا مفسدة .. ألا تدعونا كل هذه المفاسد إلى درئها بدلا من البحث عن مصلحة الإشباع الجنسي بالطرق المباحة ؟
ولنتفق مثلا على أن القدرة على تحمل أعباء الزواج من مختلف مناحي الأداءات الحياتية هي شرط الشرع الإسلامي للزواج سواء للرجل أو للمرأة .. يعني ذلك أن يكون الرجل قد بلغ سن الرشد وهو السن الذي يؤمن فيه على المال شرعا وتكون المرأة قد اكتمل بناءها الجسدي وأصبحت قادرة على الإنجاب وتوابعه وليس مجرد القدرة على التعامل الجنسي مع شهوة رجل أو حتى شعورها بالرغبة الجنسية خاصة في زمن أصبح العالم يعاني فيه من مشكلة البلوغ المبكر .
يخاف فريق - ممن يسمون أنفسهم علماء ويسميهم الآخرون متشددون- من انتشار الرذيلة إذا لم يتم تزويج الطفلات، ولم يدر بخلد احد أن يفعل شيئا من أجل تزويج العوانس – بحسب وصف الشيخ الحزمي مع عدم تحبيذي للوصف- فالشيخ يعتقد أن الأطفال سيخرجن إلى الشوارع مناديات بحقهن في الجنس لما قبل 12 عاما وخلال ذلك يعلن عن رفضهن للشرع والقانون الذي يمنعهن هذا الحق وربما تأتي كوابيس الشيخ على شكل أطفال يفتتحن مهرجانات بغاء جماعي.
ما سبق صورة شديدة التهكم وغير واقعية ونهاية غير مناسبة للنقاش حول مشكلة الزواج المبكر الذي يسميه بعضهم العفة المبكرة وأسميه أنا وغيري من العقلاء الإغتصاب المبكر لكن هل كان علي أن أبحث عن مخرج عقلاني من مناقشة فكرة غير عقلانية كفكرة زواج الأطفال؟
كان يمكن لهذا الحوار أن يكون مجنونا وبدون أدنى درجات الإنصاف على أساس "وداوها بالتي كانت هي الداءُ" لكنه في الخلاصة لن يكون أقل من عملية تنظيف للعين من الرماد الذي يذره البعض في عيوننا بقصد أو بدون قصد.
أخيرا .. لو فرضنا جدلا أن منع زواج الأطفال سيعمل بشكل مباشر على زواج الكبيرات اللواتي فاتهن القطار بسبب منافسة الأطفال لهن في "سوق" الزواج وبالتالي القضاء على ظاهرة العنوسة – تأخر سن الزواج - التي يخاف منها الحزمي ويعتقد أنها سبب كل بلاء على اعتبار أن كل بلاء لابد أن يكون مادة سائلة بين الفخذين.. هل يصلح هذا الإحتمال ليكون دافعا لجماعة العلماء من أجل أن يشاركوا ولو بالصمت لتحقيق هذا التوازن المحتمل ؟
في الأربعاء 25 مارس - آذار 2009 09:44:18 م