|
في غضون الشهرين الماضيين شهدت الساحة العربية، عدداً من القمم العربية، القمة تتلوها القمة، وعلى كافة المستويات، ولعله يمكننا أن نطلق على هذا العام بامتياز عام القمم العربية، ومع ذلك فإن هذا بحد ذاته يعد في تقديري بادرة رائعة وجميلة، أن تلتقي الزعامات العربية، ولو لمجرد اللقاء وتبادل القبلات والابتسامات الصفراء، أو لقاءات ولو حتى على الموائد العظيمة، أو على شاشات التلفزة، وصفحات الصحف، فهذا بحد ذاته يشكل خطوة إيجابية، نباركها ونثني عليها، فمجرد اللقاء على أي وجه خير من القطيعة.
بيد أنّ المشكل في الأمر هو أنّ هذه القمم وإلى هذه اللحظة لم تأت بجديد، على أي ساحة وميدان، سواء على المستوى الفلسطيني أو العراقي أو الصومالي أو السوداني، أو غيرها من القضايا العربية، حتى قمة شرم الشيخ التي انعقدت مؤخراً وتبرع فيها المانحون بنحو 5 مليار دولار، لم تكن أبداً تخدم القضية الفلسطينية، بل كرست وعززت من الانقسام الفلسطيني وغذت النزاع والفرقة والشتات، وكانت هذه المنح في واقع الحال محناً عظيمة على الشعب الفلسطيني، تضاف إلى غيرها من محن الاغتيال والقتل والأسر والاعتقال .
قمة الدوحة الأولى هي التي يمكن الإشادة بها، وبمستواها، كون بعض المشاركين فيها هم رواد المشروع العربي الإسلامي الأصيل، وهم فعلا من يحمل القضية العربية بين دفتي قلبه، وبين حدقات عينه، وهم الذين سكبوا لأجلها الدم القاني.
قمة غزة التي شارك فيها زعماء المقاومة الفلسطينية، ودولة إيران، كانت هذه إحدى أهم مميزات وخصائص قمة غزة، فالمقاومة الفلسطينية هي رأس الحربة العربية، وأما إيران فلا إشكال أن تقترب من محيطها العربي والإسلامي، وليس من صالح أحد أن تظل إيران الإسلامية بعيدة أو معزولة عن الوطن الإسلامي الكبير، فلربما تقترب إيران من أمتها ومن أقربائها وجيرانها، ولقاء قمة غزة ربما أسهم أو يسهم في هذا بوجه من الوجوه.
لقد سُرّ الجميع وانتعش الشارع العربي بِشراً بأمير قطر الذي شاطر الشارع العربي والإسلامي، تطلعاته وأمانيه في الحرية والاستقلال، باستضافته آنذك لتلك القمة، وأولئك النفر الأحرار الفدائيون الذين حضروا القمة التي سميت بقمة غزة، رغم كل الإغراءات، ووسائل الضغط.
إلا أنه سرعان ما أعلنت قطر عن توبتها على لسان وزير خارجيتها عشية القمة الحادية والعشرين!! ولعمري إنها لتوبة تحتاج إلى توبة، فلا مكفر لها إلا بالعودة إلى المحيط العربي والإسلامي الأصيل، وتكريم ودعم كل قوى المقاومة والممانعة، لا التبرء أو \"التوبة\" من استضافتها، مع تقديرنا واحترامنا للدعم القطري للشعب الفلسطيني المجاهد.
هذه القمة الوحيدة، اليتيمة، هي الجديرة بالإشارة والإشادة والتقدير، رغم ما تلاها.
تأتي اليوم قمة الدوحة، الحادية والعشرون، لنقرأ مجمل قراراتها، لنرى أنها لا تلبي أدنى طموحات المواطن العربي، على كل الصعد، الأمر الذي يؤكد أن أم المشكلات هي في غياب القرار العربي الحر، وهذه أهم نقاط الخلل في المسيرة العربية الكفاحية.
رغم كل هذا فإن ثمة نجاحات كبيرة حققتها قمة الدوحة، نشير إلى أهمها:
1) كسر هيبة قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال الزعيم الإسلامي القائد/ عمر حسن البشير، ووحدة القرار العربي ضد قرار المحكمة، وهذا يعد أهم وأبرز النجاحات، وهذا بالطبع موقف عربي ليس بغريب، لأنه نابع من خشية الزعماء العرب على كراسيهم وعروشهم ومماليكهم وقصورهم العتيدة، خشية أن تمسها يد القانون الدولي بأذى أو سوء، تلكم العروش القائمة على الاستبداد والقهر لشعوب فقيرة مستضعفة، لكن يبدوا لي أن مجرد مساندة السودان في قضيته العادلة هذه، يعد نقطة إيجابية، بصرف النظر عن الأسباب والدوافع، أو قل لنُعْمي عن الأسباب والدوافع البصر والأبصار.
2) أجواء المصالحة العربية، حيث تخلل القمة لقاءات عربية عربية، من أبرزها المصالحة بين السعودية وليبيا، وتنقية بعض الأجواء من جهة أخرى بين كل من السعودية وسوريا، رغم أنّ هذه المصالحة يبدوا لي أيضاً أنها مصالحة شخصية بين زعماء هذه الدول، وإضفاء حالة السلام النفسي بين القادة العرب، وليست تمتد هذه المصالحة إلى مجالات إيجابية تستفيد منها الشعوب، بمعنى أن تمتد إلى مجالات التنمية والخدمات والتعاون العربي المشترك، بين هذه البلدان، بل اكتفى المتصالحون بالابتسامات والقُبل الباردة، لا أكثر، ولم تستفد الشعوب بدورها سوى المتابعة والمشاهدة، ومص الشفاه، لا غير.
3) حضور معظم الزعماء العرب لهذه القمة، ولم يتخلف سوى الزعيم المصري، حسني مبارك، وغياب الرئيس اليمني عن الجلستين المغلقة والختامية للقمة، وفي تقديري أن تغيب الرئيس المصري، إنما بسبب شعوره بالحرج والخجل من الموقف المصري المخزي من القضية الفلسطينية والتعاون غير المحدود مع دويلة الكيان الصهيوني على حساب الأمن القومي العربي وعلى حساب القضية الفلسطينية، وقد تحاشى الرئيس مبارك الضغوط العربية، تجاه تعديل بعض مواقفه، ولو وفق الخط العربي المنبطح، كالمعبر والسلام المهين مع إسرائيل، وغيرها من القضايا، فغياب الرئيس المصري يعد هروباً وفرارا تاريخياً مزرياً .
أما غياب الرئيس اليمني احتجاجاً على عدم إتاحة الفرصة لقراءة الرؤية اليمنية حول تفعيل آليات العمل العربي المشترك وإقامة اتحاد عربي، فأحسب أن القمة أحسنت صنعاً في هذا الأمر، حين استبعدت الرؤية اليمنية لتفعيل آليات العمل العربي المشترك، وهي وإن كانت جيدة ورائعة وهامة، بيد أنه كان لا بد للقمة وبالأخص الأمير القطري أن يتخذ مثل هذا القرار، كون الرئيس اليمني يعلن مرارا وتكرارا عن مبادراته ورؤاه الطموحة جدا، لكنه ليس على قدر هذه المبادرات فسرعان ما يكون أول من يتراجع عنها، بسبب أي ضغط من أي طرف من الأطراف العربية، أو أي تلفون أو أي منحة مالية، قلت أم كثرت، في أي صورة من الصور، ولذا مع تقديرنا لحاجة العمل العربي إلى تفعيل، لكن نرى أن من مقدمات ذلك، تأديب البعض ممن ينادون بتفعيل العمل العربي ثم يكونون هم أول من يخرقه ويسيء إليه.
4) اعتراف القمة بالحكومة الصومالية الجديدة، وهي وإن كانت أيضا محل اعتراف أميركي، ولعل هذا سر الاعتراف العربي السريع، على غير العادة، إلا أن دولة الصومال بحاجة ماسة أن تضع الحرب أوزارها، وأن يتجه الشعب الصومالي إلى بناء السلام بدلا من الحرب التي طال أمدها، وأكلت الأخضر واليابس، لكن كان يجب أن تمد القمة شعب الصومال ليس بالسلاح، وإنما بالغذاء والطعام والكساء، وبعض ملايين الدولارات لبناء البنية التحية لدولة الصومال، لترسيخ السلام، ولا يكفي الاعتراف الضمني بالحكومة الصومالية، ثم نتركها لقدرها تعالج سكرات الموت.
ختاماً: صحيح أن قمة الدوحة لم تزد شيئاً ولم تتطرق إلى كثير من أهم القضايا العربية وبالأخص الوضع الفلسطيني، حيث كان البعض يتوقع أن تكسر القمة الحصار، عملياً، بعد أن كسر قانونيا، وأن تقرر دعم قوى المقاومة والممانعة في فلسطين، وأن تسعى لتفعيل الدفاع العربي المشترك، وأن تسعى لاتحاد عربي في صورة ما، إلا أن هذه أحلام وردية أثبتت جميع القمم العربية أنها أضعف وأعجز أن تفكر فيها، ولو عقد في العام مائة قمة، لأن الخلل في نفوس الزعماء العرب، ولن يغير الله ما بهم حتى يغيروا ما بأنفسهم،،، وإلى لقاء في قمة عربية أخرى. والسلام.
Moafa12@hotmail.com
في الثلاثاء 31 مارس - آذار 2009 07:23:53 م